العنوان: المرحلة التمهيدية
عدد الصفحات: 7
موضوع1، الأدب المقارن،1،19، المرحلة التمهيدية:
د. راتب سكر.
فولتير (1694 – 1778:(
أ.
سيرة:
(فرانسوا ماري أرواي) فولتير من رواد الثقافة
الفرنسية والعالمية الذين أسهموا في إيقاظ العقل البشري, كانَ واحداً من الذين
مهدوا بكتاباتهم الأدبية والفكرية للثورة الفرنسية التي قامت بعد رحيله بسنوات
قليلة, وربما لمْ يكن يفكر بقيامها...
ولد في باريس، وتنقل في حياته بين باريس ولندن وألمانيا وسويسرا، معمقا معرفته باللغات الأجنبية وآدابها.
ولد في باريس، وتنقل في حياته بين باريس ولندن وألمانيا وسويسرا، معمقا معرفته باللغات الأجنبية وآدابها.
ب.
سبل
فولتير إلى الأدب الإنكليزي وترجمته ونقده:
كان قد بلغ الثلاثين من عمره عندما أقام في لندن ثلاث سنوات بين عامي
1726- 1728.
إقامة فولتير الشاب في إنكلترا كانت سبيله الرئيس إلى تمكنه من معرفة المجتمع الإنكليزي، وتمكنه من اللغة الإنكليزية، والاطلاع الواسع والعميق على مؤلفات أدبائها، ولاسيما شكسبير (1564-1616) الذي عرف بترجمة فولتير ونقده، سبله الأولى إلى القارئ الفرنسي، وعبره إلى القارئ الأوربي، بعد مرور أكثر من مئة سنة على رحيله.
يقول عادل زعيتر في مقدمة ترجمته لكتاب فولتير "رسائل فلسفية" أو "رسائل إنجليزية" أو "رسائل من الوطن الإنجليزي": "يقيم في إنجلترا حيث يدرس الإنجليزية ويتصل بعلية الإنجليز وفلاسفتهم وعلمائهم وشعرائهم... في هذا الجو وضع فولتير كتاب "الرسائل الفلسفية" أو "الرسائل الإنجليزية"" .
إقامة فولتير الشاب في إنكلترا كانت سبيله الرئيس إلى تمكنه من معرفة المجتمع الإنكليزي، وتمكنه من اللغة الإنكليزية، والاطلاع الواسع والعميق على مؤلفات أدبائها، ولاسيما شكسبير (1564-1616) الذي عرف بترجمة فولتير ونقده، سبله الأولى إلى القارئ الفرنسي، وعبره إلى القارئ الأوربي، بعد مرور أكثر من مئة سنة على رحيله.
يقول عادل زعيتر في مقدمة ترجمته لكتاب فولتير "رسائل فلسفية" أو "رسائل إنجليزية" أو "رسائل من الوطن الإنجليزي": "يقيم في إنجلترا حيث يدرس الإنجليزية ويتصل بعلية الإنجليز وفلاسفتهم وعلمائهم وشعرائهم... في هذا الجو وضع فولتير كتاب "الرسائل الفلسفية" أو "الرسائل الإنجليزية"" .
شاهد بعض مسرحيات شكسبير, وقد تأثر بمحادثاته مع النقاد الإنكليز عن
شكسبير, وأُعجِب به. فكتبَ عن مسرحياته معرفاً قرّاء الفرنسية به. كما أفاد فولتير
من حياته في إنكلترا ومعرفتهِ اللغة الإنكليزية، واطلاعه على البيئة الإنكليزية
وأدبها, فراحَ يُفسِّر أخلاق أهلها وآدابهم، مقدماً لمعاصريه من بني قومه دراسات
مفيدة. فقدْ عرفَ إنكلترا ونماذج من أدبها، وعَرّفَها لقراء بلادهِ في أدبه.
تنوعت دراساته أدب عدد من أعلام الأدب الإنكليزي، ولاسيما وليم شكسبير،
الذي قدم بوساطته لقراء الفرنسية، فعرفوه بعد رحيله بأكثر من قرن، يقول أحد أهم
أعلام الأدب المقارن في القرن العشرين ماريو فرانسوا غويار عن فضل فولتير في تعريف
الفرنسيين بشكسبير :
"إنَّ شكسبير الذي كانَ مجهولاً في القرن السابع عشر في فرنسا, جهلاً يوشك أنْ يكونَ تاماً, إذا لمْ يكن قد أدخله إليها, فهو على الأقل قد جُعِلَ بها دارجاً بفضلِ فولتير" .
"إنَّ شكسبير الذي كانَ مجهولاً في القرن السابع عشر في فرنسا, جهلاً يوشك أنْ يكونَ تاماً, إذا لمْ يكن قد أدخله إليها, فهو على الأقل قد جُعِلَ بها دارجاً بفضلِ فولتير" .
ج.
أهمية
فولتير في التمهيد لنشأة الأدب المقارن:
تعدّ دراساته للمجتمعات والآداب الأجنبية (غير الفرنسية) عطافة مهمة في
باب الدراسات التي مهدت لنشوء الأدب المقارن، تتعزز أهميتها بمجموعة من المعطيات،
من أبرزها:
1.
تضمن دراساته مقارنات متنوعة للموضوعات والظواهر الأجنبية التي درسها
بنظائرها في الأدب الفرنسي (أدب فولتير القومي) وغيره.
2.
تضمن دراساته الأدبية قضايا وموضوعات عدّها
الأدب المقارن في تأسيسه وانطلاقته من ميادينه الأساسية، مشكّلة مع ما شابهها من
قضايا وموضوعات في دراسات لاحقة، لدارسين مثل: مدام دوستايل، وستاندال،
وشاتوبريان، وغيرهم، حوافز لنشأة الأدب المقارن الذي راح يعدّ توصيفها وتحليلها
وتقويمها من مهماته الأساسية.
3.
اطلاعه على ثقافات الشرق، ولاسيما الثقافة
العربية، واستلهامها في كتاباته الأدبية والفكرية، مثل كتابه "محمد"،
وقصته "القدر"
.
4. اهتمام فولتير
الأدبي الجاد والواسع والعميق بالمجتمعات والآداب الأجنبية، ولاسيما الإنكليزية
والعربية، ترجمة ونقدا، عطافة مهمة في تاريخ الصلات الأدبية الخارجية بين الآداب،
والتمهيد لنشأة فرع جديد من فروع دراسات علم الأدب، حمل – من دون وجه حق ودقة علمية ودلالية – تسمية "الأدب المقارن".
5. حملت دراسات
فولتير الأدبية للآداب الأجنبية، بذور منهج جديد، ستتعزز فاعليته ومؤثراته مع
تأسيس الأدب المقارن وانطلاقة اتجاهاته ومدارسه.
6. دفع بجهوده عجلة
الدراسات الأدبية إلى الاهتمام بالصلات الخارجية للأدب خارج حدوده اللغوية
والقومية، هذا الاهتمام الذي اختَص به الأدب المقارن فيما بعد، وجعله الميدان
الرحب لدراساته.
كانَ
فولتير من المعجبين بالثقافة العربية والإسلامية, ومن مؤلفاته وكتبه: "محمد – كنديد – الرسائل الفلسفية."
د. انقلاب
فولتير على شكسبير:
عَرَفَ القارئ
الفرنسي بفضل فولتير ذي المعرفة العميقة باللغة الإنكليزية شكسبير، غير أنَّ
فولتير عادَ بعد ذلك فهاجم شكسبير وانتقده وأخذ عليه ما يأتي:
1.
جهله: ولم يكتفِ فولتير بوصف شكسبير بالجهل، بل وصف البيئة الإنكليزية
كلها بالجهل ليُعلي مكانة شكسبير في بيئتهِ, في البداية، لكنه بعد سنوات راح يصف
شكسبير نفسه بالجهل.
2.
عدم معرفته اللغة اللاتينية, وعدم المعرفة هذه كانَ يُعدّ غمزاً من قيمة
المثقف، زمن فولتير، في القرن الثامن عشر.
3.
أخذَ عليه أنّه بعيد في مسرحياته عن قواعدِ الذوق.
4.
بُعده عن الالتزام بالقواعد المسرحية مثل: وحدة الزمان والمكان.
5.
أنّه يعرض على النظارة مناظر وحشية. يقول فولتير: "تعلمونَ أنّ في
مسرحية عُطيل يغتال زوجٌ امرأته على المسرح, وتصيح المسكينة حين تهوي صريعة, أنها
اغتيلتْ ظلماً, وتعلمون كذلك أنَّ حفاري القبور في رواية هاملت يحفرون وهم يشربون
ويغنون لاهين برؤوس الموتى, في سخريةٍ ليستْ بغريبة على مَنْ مثلهم في مهنتهم".
6.
لم يكتفِ فولتير بمثل هذا النقد لشكسبير بل وصل به الأمر إلى قوله عبارته
الشهيرة التي أوردها د. محمد غنيمي هلال أحد أهم مؤسسي الأدب المقارن عربيا في
كتابه "الأدب المقارن" (1):
Il est
bon pour des Hottentots
وترجم هذه العبارة بقوله: "إنّه لا يصلحُ إلا أن يكون كاتباً لقبائل
هوتينتو في إفريقية".
إنّ نقد فولتير السابق يُعبّر عن طوابع كلاسيكية, ففولتير كانَ نصيراً للمدرسة الكلاسيكية في الأدب والنقد.
إنّ نقد فولتير السابق يُعبّر عن طوابع كلاسيكية, ففولتير كانَ نصيراً للمدرسة الكلاسيكية في الأدب والنقد.
7.
الرد على فولتير: إنّ تغيير فولتير موقفه من شكسبير لمْ يعد قادراً على
التأثير في المعجبين الفرنسيين به, فالتأثر بشكسبير كانتْ قد انتقلت عدواه، وها هو
مفكر ومثقف لا تقل مكانته عن مكانة فولتير الفكرية هو ديدرو هبّ للدفاع عن شكسبير
بقوله الشهير:
C, est un colosse, entre les jambs duquel nous
passerions tous.
"
إنّهُ العملاق الذي سنمر جميعاً من بين
قدميه". أمّا ديدرو الذي وردَ ذكره فهو من أعظم مفكري فرنسا في القرن الثامن
عشر, ومن الذين مهدوا بفكرهم للثورة الفرنسية، شأنه في ذلك شأن فولتير.
لقدْ اجتهدَ الدارسون في تحليل تبدلات موقف فولتير ولا ريبَ في أن محاولة
فرديناند بالدنسبرجيه اللاحقة ستساعدنا على أنْ نفهم ما سُمي بتلون فولتير في رأيه.
هـ . فولتير سبيل شكسبير إلى أوروبا:
كانت آراء فولتير
ذات أثر عميق في اكتشاف شكسبير في القارة الأوروبية جمعاء, إذ لمْ يكن شكسبير قبل
فولتير معروفاً خارج إنكلترا وسرعان ما راحَ بعد توسط فولتير يُعرَف في أوروبا
ولاسيما ألمانيا, وقدْ كانَ أثر فولتير عميقاً لأسباب متعددة منها:
1.
مكانة فولتير: كاتباً ومفكراً, وسمعته التي جعلتْ ما يكتب مسموعاً في
فرنسا وخارجها.
2.
منزلة اللغة الفرنسية في عصر فولتير, فقدْ كانتْ الفرنسية لغة أوروبا
الثقافية وذات المكانة الأولى فيها.
و.
سبله
إلى الآداب والثقافات العالمية المتوعة:
1.
إقامة فولتير الشاب في إنكلترا كانت سبيله الرئيس إلى تمكنه من معرفة
المجتمع الإنكليزي، وتمكنه من اللغة الإنكليزية، والاطلاع الواسع والعميق على
مؤلفات أدبائها ومفكريها، فقد "طالع في أثناء إقامته القسرية في إنكلترا، من
1726إلى 1729، مؤلفات جون لوك ( 1632- 1704)، وإسحق نيوتن (1642-1727) اللذين
سيصيران معلميه" .
2.
إقامته في برلين بألمانيا مدة أربع سنوات بين عامي (1750- 1753) عززت سبل
اطلاعه على اتجاهات الأدب والفكر الألمانية.
3.
اطلاعه الواسع على الآداب والثقافات العالمية المختلفة، ولاسيما العربية،
فقد ذكر د. طه حسين (1889- 1973) أنه "قرأ ترجمة "ألف ليلة وليلة"
فشاقته ... وأخرج قصصاً شرقية بارعة كثيرة"
.
ز.
فولتير موضوعاً للأدب المقارن:
عني في سيرته وأدبه ونقده بقضايا وموضوعات أجنبية عناية جادة وعميقة،
أسهمت في تعزيز صلات الثقافة الفرنسية وتفاعلاتها الخارجية خارج حدودها اللغوية
والقومية، وقد مهدت تلك الصلات والتفاعلات المتنامية الطريق لنشأة اتجاهات جديدة
في نقد الأدب ودراسة تاريخه ونظرياته، مؤكدة الحاجات المعرفية والمنهجية لمثل هذه
النشأة التي تكوّن في رحمها "الأدب المقارن" اتجاهاً جديداً في دراسات
علم الأدب وأقسامه الرئيسة الثلاثة: تاريخ الأدب، ونقد الأدب، ونظرية الأدب.
ويعد كتابه "الرسائل
الفلسفية" ، الذي ترجمه عادل زعيتر حافلاً بدراسات قيمة عن الآداب والثقافات
الأجنبية، ولاسيما الإنكليزية وأعلامها، مما يجعله جديراً بدراسات مناسبة.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق