2019/03/02

أدب مقارن - المحاضرة الأولى


العنوان: مدام دوستايل
عدد الصفحات: 5


أدب مقارن حماة، ف2 19، موضوع2 مدام دوستايل 1766– 1817م
تعد مع فولتير الذي سبقها من أعلام المرحلة التمهيدية في الأدب المقارن.
أولاً- سيرتها:
أفادت آن لويز جرمين، من منتدى (صالون) والدتها الأدبي الثقافي في باريس، مثرية مدارك طفولتها ونشأتها، وآفاقها الفكرية والثقافية، بمناقشات رواده، ولاسيما ديدرو أحد أبرز الكتاب والشخصيات الثقافية في القرن الثامن عشر.
تزوجت في عام 1785 من البارون دوستايل، سفير السويد في باريس، وابن الثري السويدي جاك نكر، ولم يمنعها هذا الزواج من توسيع اهتماماتها الثقافية، فأسست منتدى (صالونا) ثقافيا خاصا بها، راح يجتذب مثقفين مهمين إلى ملتقياته، الحافلة بمناقشات غلبت عليها نزعة العداء لبروز نابوليون بونابرت، وتتويجه إمبراطورا مهيمنا على ظواهر الحياة الثقافية الفرنسية بقيوده ... لم تكن مدام دوستايل بريئة من تلك النزعة، على الرغم من صداقتها مع شقيقة نابوليون، مما عرضها للنفي إلى ألمانيا سنوات طويلة بين سنة 1804 وسنة 1815، التي عادت فيها إلى باريس... وما لبثت أن توفيت سنة 1817، فدفنت قرب قصرها الذي ابتنته على شاطئ بحيرة في جنيف بسوسرا، في مرحلة إقامتها الألمانية. 

ثانياً- مصادرها الثقافية وسبلها إلى الآداب الأجنبية وحوار الثقافات:
1.   منتدى (صالون) والدتها الأدبي الثقافي في باريس، الذي ضمن لها لقاء مثقفين كبار مثل ديدرو.
2.   زواجها من البارون المثقف دوستايل.
3.   المنتدى (الصالون) الأدبي الثقافي الذي أسسته في باريس.
4.   إقامتها الطويلة في ألمانيا، وما وفرته لها من اطلاع على الثقافة الألمانية وأعلامها مثل غوته وغيره.
5.   شغفها بقراءة الكتب الفرنسية والألمانية التي كانت قد أثرت رفوف المكتبات بخزائن معرفية محلية ومترجمة متنوعة وواسعة.
6.   روحها المتعطشة للمعرفة، الوثابة بعواطف رومانسية جياشة، على دروب حوار الثقافات والتوق إلى نقاء إنساني منشود.
ثالثاً- كتاباها:
أ‌.       كتابها (الأدب المهم في علاقتِهِ بالمؤسسات الاجتماعية)، أصدرتْه مدام دوستايل عام 1800م، في جزأين، مقدمةً دروساً نقدية نظرية وإجرائية مهمة في مضمار دراسة أثر المجتمع في الأدب وأثر الأدب في المجتمع, ومِن الراجح أنّ هذا الكتاب كانَ باكورة التأليف في مضماري: الاتجاه الاجتماعي في النقد الأدبي، والموضوعات ذات الصلة بالأدب المقارن، مثل "دعوتها إلى الخروج من نطاق الأدب الواحد في النقد والتحليل" ، موضحة قائلة: "الجزء الأول من هذا الكتاب، يحتوي على تحليل خلقي وفلسفي للأدب اليوناني والأدب اللاتيني... وعلى نظرات مفصلة في عيون المؤلفات في الآداب الإنجليزية والإيطالية والألمانية والفرنسية، في حدود ما رسمت من منهج لهذا الكتاب، أي على حسب العلاقات بين الحالة السياسية للبلد، والعقلية الأدبية المنتجة".
ب‌.           كتابها (عن ألمانيا) تُرجِمَ عنوانه إلى العربية بـ ( في ألمانيا ) أيضاً, وصدر عام 1814م.
ألّفتْ هذا الكتاب المهم بعد إقامتها سنوات في ألمانيا هاربةً مِن حالةِ الظُلم الثقافي العام الذي رافق حكم نابليون في فرنسا (1804-1815).
يعدُّ هذا الكتاب مُؤَلفاً مهماً في التمهيد لانطلاقةِ الأدب المقارن وولادة مصطلحه, انطلاقاً من منطلقات عدة:
1.   لمْ تقتصر المؤلفة في هذا الكتاب على تعريف الفرنسيين بالأدب الألماني، بل عُنيت عناية خاصة ببيان وجوه التشابه والاختلاف بين ذينك الأدبين.
2.   أسهمت بدراساتها الأدبية في التمهيد الفرنسي الجاد لنشأةِ الأدب المقارن مهتمةً بالعلاقات الخارجية للأدب الفرنسي, مقَارِنَةً بعض ظواهره الأدبية والاجتماعية بما يُشْبِهُها أو يختلفُ عنها لدى الألمان.
3.   قدّمتْ في هذا الكتاب دروساً نظرية وتطبيقية تؤكد أهمية المقارنة بين الظواهر المختلفة والمتشابهة والمتقاربة في الآداب المختلفة، ولاسيما الأدَبَين الفرنسي والألماني, وما يتصل بهما من ظواهر اجتماعية.
4.   دعت إلى الخروج من نطاق الأدب الواحد في النقد والتحليل. وإلى دراسة الآداب الأخرى في لغاتها الأصلية.
5.   كانتْ في دراساتها النقدية تلجأ - كما قال فرديناد بالدنسبرجيه أحد أهم علماء الأدب المقارن في النصف الأول من القرن العشرين- "إلى ضرب الأمثال بالآداب الأخرى, وإلى تحليل بعض مظاهرها, والإشارة إلى وجوه التشابه بينها تشابهاً يُوجّه العقول إلى دراستها".
6.   حملتْ مدام دوستايل على مَنْ لا يعيرون دراسة الآداب الأخرى اهتماماً, وعلى مَنْ يحتقرونها, - كما بيّن فرديناد بالدنسبرجيه-.
7.   دعتْ إلى دراسة الآداب في لغاتها الأصلية.
8.   كانَ لها أثر كبير في الدعوة إلى الخروج من نطاق الأدب الواحد في النقد والتحليل.
رابعاً - مواقف من دوستايل وكتابيها:
1.   على الرغم من سعة أفقها في النقد واطلاعها على الآداب الأجنبية، ولاسيما الأدب الألماني وشغفها بدراسة مظاهر الفكر الإنساني في مختلف اللغات ودعوتها إلى تلك الدراسة وضربها الأمثال فيها, وعلى ما لها من فضل، لم تُعْنَ بدراسة صلات الآداب بعضها ببعض في نطاق نفوذها وتأثيرها على نحو ما هو مفهوم من الدراسة الحقة للأدبِ المقارن كما رأى أعلام المدرسة الفرنسية، وتلامذتها مثل رائد الأدب المقارن عربياً محمد غنيمي هلال.
لقد أكّد أعلام المدرسة الفرنسية مثل بالدنسبرجيه وغويار وكاريه وتيغيم وتلميذهم النجيب محمد غنيمي هلال أنَّ دراسة التشابه والاختلاف بين الآداب لا يُعدّ من الأدب المقارن إلا إذا أثبت الدارس وجود علاقة تاريخية بين المتأثر والمؤثر؛ أي إثبات مدعوم بالوثيقة التاريخية يُبين أنّ المتأثر اللاحق اطلعَ في لحظة تاريخية محددة على أعمال المؤثر السابق الذي تأثر به, وبما أنّ مدام دوستايل لمْ تشتغل في كتابها ( عن ألمانيا ) على إثبات مدعوم بوثائق تاريخية يُبين وجود صلة تاريخية أدتْ إلى التشابه بين الأدبين الفرنسي والألماني فإنّ كتابها لا يُعدّ من الأدب المقارن، بحسب المدرسة الفرنسية.
2.   على الرغم من هذا الموقف السابق، الذي يُخرجُ كتابي دوستايل من دوائر الأدب المقارن، فقد قدّر الباحثون دورها، منهم محمد غنيمي هلال (1916 1968م) الذي عبّر عن سعة أفقها في النقد, وكثرة اطلاعها على الآداب الأجنبية, واهتم الدكتور عبده عبود وزميلاه الدكتور غسان السيد والدكتورة ماجدة حمود بذلك، بتقدير مكانتها، فقد توقف الدكتور عبده عبود على مكانة كتابها (عن ألمانيا) في ميدان من ميادين الأدب المقارن هو الصورلوجيا الذي يُعنى بدراسةِ صورةِ شعب ما في أدب شعب آخر, فرأى أنّ: "هذا الكتاب طليعةُ أو بدايةُ لما أصبح يُعرَفُ حالياً بالصورلوجيا".
ولعله من المفيد اليوم في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بعد تراجع الشروط التاريخية الصارمة للمدرسة الفرنسية، أمام انتشار رحابة المدرستين الروسية والأمريكية في الأدب المقارن، إعادة السؤال من جديد حول جدارة الصلات الجوهرية بين "الأدب المقارن" وكتابي دو ستايل، ولاسيما كتابها "عن ألمانيا".

هناك تعليق واحد:

  1. ما فضل دي ستايل في الأدب المقارن؟

    ردحذف