2019/03/09

طرائق التدريس - المحاضرة الثالثة


العنوان: تدريس الاستماع
عدد الصفحات: 10


أولاً تعريف الاستماع:
يعد الاستماع المهارة اللغويّة الأولى، وهذه الأولويّة فرضتها طبيعة اللغة؛ لأنّ الإنسان غالباً  لا يمكن أن يتعلّم المهارات الأخرى ما لم يسبقه الاستماع؛ بمعنى أنّ الطفل لا يستطيع النطق ما لم يمتلك حاسّة سمع جيّدة منذ ولادته، وسمع كلاماً يمكن أن يعبّر عنه.
وفي البداية لا بدّ من تعريف ما يتعلّق بهذه المهارة من مصطلحات.
1.   السماع: هو وصول الصوت إلى الأذن، وهو بهذا المعنى لا يحتاج إلى مهارة خاصة ولا يتطلّب تعلّماً لأنّه فطريّ.
فالإنسان يسمع أصوات الضجيج والحركة سواء كان هذا السماع إرادياً أو غير إراديّ، ولكن هل يحقّق هذا النوع  من السماع غرضاً في ذاته؟
2.   الاستماع: عمليّة عقليّة تتطلّب جهداً يبذله المستمع في متابعة المتكلّم، وفهم معنى ما يقوله، واختزان أفكاره واسترجاعها إذا لزم الأمر، وإجراء عمليّات ربط بين الأفكار المتعدّدة. 
فالاستماع وفق ما سبق عمليّة إراديّة مقصودة يعطي فيها المستمع اهتماماً خاصاً وانتباهاً مقصوداً لما تتلقاه أذنه من أصوات، وهي عمليّة مركّبة يتآزر فيها الفكر مع حاسة السمع، وتخضع لشروط وآداب محدّدة لتحقيق الفهم الذي نريد الوصول إليه.
3.   الإنصات: أعلى درجة من الاستماع، ويتطلب تركيز الانتباه والتأمّل لما يقال، وهو محاولة لفهم ما وراء ما يستمع إليه المتعلّم فهماً أقرب إلى الصحّة أو رؤية الأفكار التي يعبّر عنها المتحدّث، ومعرفة اتجاهاته من وجهة نظره هو، والإحساس بما يريده المتحدّث.
فالإنصات هو المرحلة العليا من المهارة التي نطمح إلى اكتسابها، وما تحقّقه من أهداف يعدّ مؤشّراً على قدرة مدرّس العربيّة، الذي يعدّ مرسلاً، على التواصل والتفاعل مع طلابه الذين يعدّون مستقبلين للرسالة اللغويّة بكلّ مكوّناتها ومستوياتها.
ومن خلال ما تقدم يتبين أنّ الاستماع نشاط مكتسب له مهاراته، وأنّ الفرد يمكنه أن يتدرب على هذه المهارات للوصول إلى مرحلة الإنصات.
وقد قسّم التربويّون الاستماع تقسيمات متعدّدة، ولعلّ ما يهمّنا في هذا المجال تقسيم الاستماع وفق ما يحقّقه من فهم وتحليل وتفسير.
ثانياً – أنواع الاستماع:
الاستماع مهارة تعتمد على القصد والإرادة لفهم المادّة المستمع إليها، ثمّ تحليلها وتفسيرها ثمّ نقدها والحكم عليها، وتبعاً لذلك يمكن تقسيم الاستماع على النحو الآتي:
1-الاستماع التحصيليّ: يتطلّب هذا النوع تركيز الانتباه في المادة المستمع إليها، وربط الأفكار بعضها ببعض، وتحديد معنى المسموع من السياق، وتصنيف الحقائق وتنظيمها، وبيان أوجه الشبه فيها، ثمّ التفريق بينها، ومعرفة الأسباب والعلل المعروضة، وتعرّف الأدلّة والقدرة على استنتاج النتائج من الأدلّة.
2-الاستماع الهامشي: الغرض من هذا النوع تعرّف الخطوط العريضة لما يقال من دون الخوض في التفاصيل، ومن دون طلب الحكم على ما يستمع إليه، ومعظم استماع صغار السنّ من هذا النوع.
3-الاستماع من أجل المتعة: يتطلّب هذا النوع الاستماع لمحتوى المادّة المستمع إليها، وتقدير ما يقدّمه المتكلّم، والاستجابة التامّة له، وتحديد منهج المتكلّم في التحدّث وميزاته، والتأثّر بصوت المتحدّث، والاندفاع معه شعورياً.
4-الاستماع الناقد: يقوم هذا النوع على أساس من مناقشة ما يسمع من المتحدّث، وإبداء الرأي فيه سلباً أو إيجاباً.
ثالثاً– أهمية الاستماع وعلاقته بالمهارات اللغويّة:
الاستماع الجيّد هو بداية تلقّي اللغة السليمة؛ لأنّ اللغة تقليد ومحاكاة، وهو سبيل لزيادة ثقافة الإنسان وتنمية خبراته في المجتمع الذي يحيا فيه؛ فالاستماع الذي يحدث في ظروف وأماكن مختلفة يمدّ المرء بحصيلة من المعلومات والمفهومات التي خبرات الفرد.
وفي هذا المقام يعدّ الاستماع وسيلة أساسيّة للمتعلّم؛ ففي الصفّ يستمع إلى مدرّسه وزملائه، وكذلك في الجامعة حين يستمع إلى محاضرة أو يناقش في موضوع معروض للنقاش.
وقد أثبتت الأبحاث اللغويّة أنّ المرء في حالة الاستماع لا يعدّ سلبياً، بل هو إيجابيّ فعّال؛ إذ إنّه يعمل على فكّ الرموز التي تصل إليه من المرسل، فيعمل على فهمها والحكم عليها، ومن هنا يعدّ الاستماع نافذة يطلّ المرء من خلالها على تجارب الآخرين وخبراتهم.
وربّما كان الاستماع الجيّد سبباً من أسباب تميّز الفرد من غيره في المهارات اللغويّة الأخرى، آخذين بالحسبان التكامل اللغويّ بين المهارات.
ومن الواضح أن المتحدث يعكس في حديثه لغة الاستماع التي يسمعها في البيت والبيئة، وبالمقابل فإن أداء المتحدث ولهجته وانسيابه وطلاقته تؤثر في المستمع وتدفعه إلى محاكاتها، كما أن الدقة في المحادثة تكتسب بالاستماع الدقيق إلى المتحدث الدقيق، إذ إن نمو مهارات الاستماع تساعد على نمو الانطلاق في الحديث، والمستمع أقدر على فهم الجمل الطويلة والمعقدة ممن يتحدث بها . تلك هي العلاقة بين الاستماع والمحادثة.
أما العلاقة بين الاستماع والقراءة فهي علاقة وثيقة؛ فالاستماع هو الأساس في التعلم اللفظي في سنوات الدراسة الأولى، والمتأخّر قرائياً يتعلم من الاستماع أكثر مما يتعلم من القراءة، إذ إن القدرة على التمييز السمعي مرتبطة بالقراءة، فإذا كانت عالية تقدم الناشئ في القراءة، وإذا كانت منخفضة أدى ذلك إلى تخلفه في القراءة، كما أن الدقة في الاستماع والقدرة على التمييز فيه يساعد صاحبه على تحصيل الأفكار الأساسية وعلى تذكرها فيما بعد، والتلاميذ في مراحلهم الأولى يتذكرون ما يستمعون إليه أكثر مما يقرؤونه.
والعلاقة بين الاستماع والكتابة تتمثل في أن المستمع الجيد يتمكن من التمييز بين أصوات الحروف، فيستطيع كتابتها وكتابة كلماتها كتابة صحيحة، كما أن الاستماع الجيد يزيد الثروة اللفظية فينعكس ذلك كله على التعبير الكتابي فيما بعد.
يضاف إلى ذلك أن المستمع الجيد غالبًا ما يكون كاتبًا جيدًا لأنّه يستفيد من فكر الآخرين وآرائهم، فيحتفظ بها وتؤثر في ثقافته وفي أسلوبه وكتابته.
رابعاً – أهداف الاستماع:
تحقّق مهارة الاستماع أهدافاً متعدّدة سواء في الحياة العامّة أم في الحياة الدراسيّة، ومن أبرز هذه الأهداف:
ü   تنمية القدرة على الإصغاء والانتباه والتركيز على المادة المسموعة، بما يناسب مراحل نموّ المتعلّم.
ü   تنمية القدرة على تتبّع المسموع والسيطرة عليه، بما يناسب غرض المستمع.
ü   التدريب على فهم النصوص المستمع إليها في سرعة ودقّة من خلال متابعة المتحدّث.
ü   غرس عادة الإنصات قيمة اجتماعية وتربوية مهمة في إعداد الفرد.
ü   تنمية جانب التذوّق من خلال الاستماع إلى المستحدثات العصريّة، واختيار الملائم منها.
ü   تنمية جانب التفكير السريع، ومساعدة المتعلّم على اتّخاذ القرار وإصدار الحكم على المسموع في ضوء ما سمعه.
وتنبثق من الأهداف السابقة أهداف تتعلق بطبيعة المادة التي يستمع إليها المتعلّم (مقال قصة ....)، وأخرى تتعلّق بالمرحلة العمريّة للمتعلّم، ويمكننا إجمال هذه الأهداف وفق الآتي:
1-        فهم النصوص فهماً مجملاً ومفصلاً من خلال:
1-1-تعرّف موضوع النصّ.
1-2-تعرّف الفكر الرئيسة والفرعية للنصّ.
1-3-تعرّف معاني المفردات والتراكيب في ضوء الموقف المحيط بالكلام.
1-4-تحليل النصوص إلى عناصرها الأساسيّة وفق بنيتها. (مقال قصّة مسرحيّة..)
1-5-فهم العلاقات المختلفة في النص.
1-6-تعرّف أسلوب انتظام مادة النصّ.
1-7-تعرّف أوجه الاختلاف والاتّفاق في النصّ.
1-8-التذوّق الجمالي للنصوص في حدود معارفه.
1-9-تنمية القدرة على توقّع ما سيقوله المتحدّث.
1-10- وضع نهايات جديدة للنصّ.
2-        الفهم الضمني للنصّ، واكتشاف ما وراء السطور.
3-        نقد النصّ في ضوء الخبرات السابقة.
4-        تنمية القيم المرغوبة من خلال النصوص.
5-        تنمية القدرة على الحكم على المادة التي استمع إليها من حيث سلامة المعلومات وأهميتها.
وتحقيق هذه الأهداف يستوجب توفّر شروط تتعلّق بالمتحدّث والمستمع والمادّة والمسموعة والأدوات المستعملة في جلسة الاستماع.
خامساً- شروط الاستماع الجيد:
1-           الشروط الواجب توفرها في المتحدث:
·       وضوح الصوت بالقدر الذي یمكن من الاستماع بشكل جید.
·       سلامة نطق الحروف والكلمات وفق مخارج الحروف السلیمة.
·       صحة القراءة وسلامة التراكیب.
·       التلوین الصوتي، وفق ما یتطلبه الموقف.
·       توظیف الحركات والمثیرات وعناصر الجذب والتشویق.
·       المظهر الباعث على الانتباه.
2-           الشروط الواجب توفرها في المستمع:
·       أن يدرك الغاية من الاستماع.
·       أن يكون منصرفاً كلياً إلى المتحدّث، مصغياً بكلّ جوارحه.
·       أن يجلس في وضع يساعده على الاستماع الجيّد، ويبعد عن المعوقات التي تحول بينه وبين الفهم الصحيح، مثل الضوضاء والمشتّتات الأخرى.
·       أن يكون متمهلاً متحلياً بالانتباه في أثناء توجيه السؤال إلى المتكلّم والاستفسار منه عن نقطة ما.
·       أن يبتعد عن التسرع في الحكم على رأي محدّثه، وأن يراقب بفطنة وذكاء الفكرة التي يعرضها المتحدّث والأدلة والبراهين التي يستشهد بها، وأن يتابع المتحدّث في عرض أفكاره.
·       أن يحكم على تلك الفكر حكماً موضوعياً بعيداً عن التحيّز والتعصّب والانفعال والتزمّت والتحجّر.
·       أن يقدّر رأي المتحدّث، وألا يعمد إلى إحراجه أو مضايقته أو تسفيه رأيه.
3-           الشروط الواجب توفّرها في المادة المسموعة:
·       أن تكون في مستوى المستمعین ومناسبة لقدراتهم العقلیة ومستواهم الفكري.
·       أن تخلو من التعقید اللفظي والمعنوي الذي یعیق سرعة الفهم والتقاط المعلومات.
·       أن تكون التراكیب والمصطلحات مصاغة وفق المتعارف علیه.
·       أن ترتبط بحیاة المتعلمین وغایاتهم وحاجاتهم ومیولهم ورغباتهم.
4-           الشروط الواجب توفرها في أدوات الاستماع:
·       أن تكون صالحة وخالیة من العیوب.
·       أن تخلــو البیئــة العامــة مــن موانــع وصــول الصــوت بوضــوح وكــل مــا یعیــق عملیــة الاستماع الجید.
·       أن تكون أداوت التسجیل والبث صافیة ونقیة.
·       أن یختبر المعلم والفني المساعد كل ذلك قبل البدء في عملیة الاستماع.
والقاعة الدرسيّة تتيح للمدرّس فرصاً لممارسة هذه المهارة، من خلال:
أ‌.      توفير المدرّس القدوة في تدريب المتعلّمين على آداب الاستماع وشروطه.
ب‌.           الاستفادة من الطرائق الحديثة في التدريس مثل: (لعب الأدوار الندوة المناظرة...) للتدريب على آداب الاستماع وشروطه، وقياس مستويات الفهم الاستماعي.
ت‌.           استثمار الأنشطة الواردة في النصوص وقواعد اللغة، وإتاحة الفرصة لتعرّف بعض تفصيلاتها وإبداء الرأي فيها.
ث‌.           استثمار المهارات اللغويّة في الحصص الدرسيّة، مثل التعبير الكتابي الذي يتطلّب عرض موضوعات المتعلّمين ونقدها.
سادساً- خطوات تدريس الاستماع:
1-تحضير المادّة: ينبغي للمدرّس تهيئة البيئة المناسبة لدرس الاستماع وتحضير مستلزماتها (آلة تسجيل، جهاز عرض ...) والتأكّد من جهوزيّة هذه المستلزمات، والتأكّد من سلامة المادّة التي سيقدّمها تقنياً.
2- التمهيد: يقوم المدرّس بتهيئة أذهان طلابه، بإيضاح أهميّة الدرس، وطبيعة المادّة العلميّة التي ستقدّم إليهم، ثم إخبارهم بالمهارة التي سيتدربون عليها، نحو: استخراج الفكرة العامة، ثم استخراج الفكر الرئيسة، والتمييز بين الفكر الرئيسة والثانوية ....
3-إلقاء النص: الإلقاء الأوّل للنصّ يحدّده طول النصّ والمستوى العمري للتلاميذ أو الطلبة، فإذا كان النصّ غير طويل يمكن قراءته كاملاً ليسأل المتعلّم عن موضوعه أو عن بعض العموميات الواردة فيه. وإذا كان فيه شيء من الطول يقرأ مجزّأً في جمل أو مقاطع قصيرة، ممّا يساعد المتعلّم على ربط أجزاء ما سمعه ببعضها.
4-إعادة قراءة النصّ (كاملاً أو مقطعياً) إذا وجد المدرّس حاجة إلى ذلك، ويمكن أن يستفيد المدرّس من تحليل النصّ إلى مقاطع ويعالج كلّ مقطع على حدة، ثمّ يقرأ النصّ كاملاً بعد أن يطمئنّ إلى فهم الطلاب معظمهم ما ورد في النصّ من فكر ومعانٍ وجوانب أخرى يودّ المدرّس قياسها.
5-معالجة النصّ: يستعين المدرّس بما ورد في الكتاب المدرسيّ من أسئلة كاشفة للنصّ، ويمكن للمدرّس أن يغني هذه الأسئلة إذا ما وجد أنّ الأسئلة غير كافية أو أنّها لم تحقّق الفهم المطلوب، مع مراعاة التنوّع في مستويات الأسئلة بدءاً من المستوى الحرفيّ وانتهاء بالمستوى الناقد.
6-تقويم الاستماع: يمكن للمدرّس أن يضع بعض الأسئلة الاستنتاجيّة لتقويم فهم المتعلّمين، ويمكن التنويع في هذه الأسئلة وإغناؤها بمجالات اللغة من نحو وصرف وبلاغة وفق ما يرى المدرّس، كما يمكن أن يدوّن بعض العبارات الواردة في نصّ الاستماع على السبّورة أو يعرضه على جهاز العرض، ليقيس مهارات اللغة الأخرى من قراءة وتحدّث وكتابة. 
ومن المهمّ جداً أن يبنى تقويم الاستماع على محورين: الأوّل يتضمّن آداب الاستماع وشروطه، والثاني يتضمّن الفهم الاستماعي بمستوياته المختلفة.

.. انتهت المحاضرة ..

ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق